قصة

إنبات البذور؛ احتضان الأرض في زمن جائحة كورونا

كل شيء له إيجابيات وسلبيات!" يقول أبو شادي، وهو مزارع من قرية بتير. وأضاف "ولكن هل تعرف ما هي إيجابية أزمة فيروس كورونا؟ لقد أعادت الناس إلى جذورهم؛ إلى أراضيهم”.

منذ ظهورها في فلسطين في أوائل شهر آذار، دفعت جائحة فيروس كورونا السلطة الفلسطينية إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض إغلاق شامل، مما أدى إلى تقييد جميع معالم الحياة. لكن المشهد مختلف في منطقة الجِنان من المدرجات الزراعية في قرية بتير.

تقع قرية بتير على بعد بضعة كيلومترات جنوب غرب القدس، وهي جزء من موقع التراث العالمي " فلسطين أرض العنب والزيتون، المشهد الثقافي لجبال جنوب القدس، بتير". تم إدراج الموقع عام 2014، ويشتهر بنظام ري معقد يعود للعصور القديمة ويمتد ليروي سلسلة من المدرجات الزراعية ذات الجدران الحجرية الجافة

الجِنان هي أو الحدائق" باللغة العربية، هي عبارة عن تل منحدر يمتد من البلدة القديمة في بتير وينابيعها المائية الرئيسية نحو الوادي الذي ما زال يمر عبره خط سكة الحديد القديمة التي تربط القدس بيافا. تعتبر الجِنان أكثر أجزاء المدرجات الزراعية خصوبةً، وتشتهر تاريخياً بزراعة الخضراوات التي تم بيعها في محطة سكة الحديد وفي القدس حتى أواخر أربعينيات القرن الماضي، إلى أن وجد مزارعو بتير أسواق مدينة بيت لحم نقطة بيع ملاءمة أكثر.

مع مرور الوقت، وبسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني، شهدت الممارسات الزراعية في فلسطين انخفاضًا عامًا، حيث اعتمد الناس بشكل أكبر على القطاعات الأخرى كمصدر للعيش. وكذلك كان الحال في قرية بتير. من ناحية أخرى، ومنذ إدراج الموقع على لائحة التراث العالمي لليونسكو، ازدهرت السياحة بشكل ملموس وأصبحت مصدراً آخر للازدهار الاقتصادي للعديد من الأسر في القرية. ومن المثير للاهتمام أن السياحة للمدرجات الزراعية في بتير تزداد خلال فصل الربيع؛ وهو موسم هام للزراعة، والذي تزامن هذا العام مع اندلاع جائحة كورونا التي أوقفت السياحة بسبب تقييد الحركة والسفر.

لكن في نظر أهل القرية، فإن الوباء سيف ذو حدين. حيث استغل سكان بتير الحجر وعادوا إلى الأرض، خاصة في منطقة الجِنان والمدرجات المروية الأخرى، مصممين على الحفاظ عليها وتنظيفها وزراعتها

يقول أبو شادي: اعتدت أن أكون وحدي بالقرب من نبع الماء للاهتمام بأرضي، ولكن في أيامنا هذه أثناء الحجر للقرية، ترى مئات الأشخاص من جميع الأعمار؛ يزرعون البذور ويغرسون ويقومون بالري والعناية بأراضيهم". وأضاف: "إن جائحة الفيروس مؤلمة، لكن الناس قادرة على التأقلم مع الوضع من خلال زيادة الاستثمار في استصلاح الأراضي حتى تبدأ هذه المدرجات في التنفس مرة أخرى.
أبو شادي

خلال هذه الأوقات العصيبة، حوّل أهالي قرية بتير إجراءات الحجر إلى فرصة ذهبية للحفاظ على مواردهم الطبيعية، والاستفادة من أراضيهم الزراعية المهملة في مدرجات التراث العالمي. وفقًا للجنة التراث العالمي، فإن استصلاح الأراضي من أفضل الممارسات الموصي بها للحفاظ على الموقع وإدارته بشكل صحيح. كما يساهم إحياء الممارسات الزراعية في مدرّجات بتير الزّراعيّة في رفع مستوى الوعي بين جيل الشباب حول أهمية استمرار الزراعة كركيزة حيوية وأساسية في القرية.

يقول أبو شادي: "بالرغم من الوباء، يجب أن تستمر الحياة". واستكمل مجازيّاً وهو يعبّر عن افتخاره بإحساس الانتماء المتزايد بين أهل القرية للأرض: "عندما تنظر للأراضي الزراعية عن بعد، تراها تضحك لك، وتتساءل لماذا أهملناها كل هذا الوقت".
أبو شادي