الأخبار
مواجهة المعلومات الرقمية المضللة دون انتهاك حرية التعبير يحتاج الى توازنٍ عالي الدقة

قد يكون للتضليل عواقب وخيمة في عصرنا هذا. وقد أصبحت هذه الآفة، من هذا المنطلق، مصدر قلق عالمي أدى إلى تغيير جذري في المشهد الإعلامي والأمني، مع تزايد الحاجة إلى معالجة المعلومات المضللة بعدة طرق، لا سيما في الفضاء الرقمي. مع ذلك، يمكن للمرء أن يتساءل عن كيفية ضمان حماية الحق في حرية التعبير في هذه المعركة، مع العلم أن وسائل الإعلام المستقلة والحرة يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة ما أصبح يعرف اليوم ب"الأخبار المزيفة". في هذا الاطار، بحث جديد يتناول هذا الموضوع بتكليف من الاتحاد الدولي للاتصالات ولجنة النطاق الواسع التابعة لليونسكو، برئاسة مشتركة مع الدكتورة حصة الجابر من قطر، ويجيب على سؤال ذي عواقب حيوية: كيف نواجه التضليل الرقمي مع احترام حرية التعبير؟
مع الإطلاق الرسمي للنسخة العربية من التقرير، عقدت اليونسكو في 9 كانون الأول (ديسمبر) ندوة افتراضية إقليمية للبحث في هذه المعضلة، مع التركيز بشكل خاص على آثاره في المنطقة العربية. وأكّد توفيق الجلاصي، المدير العام المساعد لليونسكو للاتصال والمعلومات، في ملاحظاته الافتتاحية، أنه "يمكن للمعلومات المضللة عبر الإنترنت أن تؤدي إلى خلق التفاوتات القائمة وتفاقمها، وإعاقة تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة". وأضاف: "قد تؤثر عواقبه ليس فقط على الصحة العامة والرفاهية، وليس فقط على المساواة بين الجنسين والمساواة العرقية، ولكن أيضًا على الحكم الديمقراطي وصون السلام والأمن. أظهرت جائحة COVID-19 كيف يمكن أن يكون للمعلومات الموثوقة والجديرة بالثقة، أو عدم وجودها، تداعيات مميتة". وبحسب السيد الجلاصي ، فإن " المنطقة العربية شهدت انتشارًا لمعلومات مضللة في الداخل، فضلاً عن معلومات كاذبة يمكن أن تنتشر خارج المنطقة، مما يؤدي إلى آثار مباشرة وسلبية على الصحة العامة، وعلى جهود بناء السلام وحقوق الإنسان".
وقد قامت اليونسكو وشركاؤها بترجمة الملخص التنفيذي للتقرير، الذي يحمل عنوان " التوازن الدقيق: مكافحة التضليل الرقمي مع احترام حرية التعبير" إلى الفرنسية والإسبانية، وتعديله في النسخة البرتغالية. والنسخة العربية الجديدة هي أول ترجمة كاملة للتقرير، تم تنفيذها بدعم من وزارة الخارجية القطرية. وأكد إبراهيم سلطان الهاشمي، القائم بأعمال مدير الاتصالات بوزارة الخارجية القطرية، في مداخلته، على أهمية حرية التعبير، مشيرا إلى أنها لا تعني نشر خطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة. وأشاد بدور اليونسكو في هذا الصدد وأكد أن دعم دولة قطر لترجمة هذا التقرير ينبع من دعمها لرفع الوعي وفهم المعلومات المضللة في المنطقة العربية بشكل أفضل.

وأدارت الندوة ربى الحلو، أخصائية الإعلام والنوع الاجتماعي والاتصال، وتضمّنت أيضًا آراء مستنيرة من متخصصين. وأكّدت نبال ثوابتة، المدربة والمديرة السابقة لمركز التطوير الإعلامي في جامعة بيرزيت، على أهمية تدريب جميع الفرقاء في المجال الإعلامي على التدقيق في الحقائق "من أعلى الهرم إلى أسفله". من جانبه، قام وليد الحيوني، أستاذ الإعلام ومؤسس منظمة صحفيون ضد المعلومات المضللة وخطاب الكراهية في تونس، بتقييم المشهد الإعلامي الحالي في تونس، بما في ذلك الاستخدام الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي والسباق المستمر للوصول إلى المعلومات، وتكاثر المواقع المزيفة. وأوضح أن "ثقافة مكافحة المعلومات المضللة بدأت بالانتشار في البلاد مع زيادة الوعي بأخطارها المحتملة".
وأشار الخبير الدولي في حرية التعبير وتنظيم وسائل الإعلام، جوان باراتا، إلى أنه لا يوجد تعريف واضح لمهوم المعلومات المضللة. وقال: "لقد حدّت جائحة كوفيد-19 من حرية التعبير وأثرت سلبًا على نشر المعلومات. كما علمنا أنه لا توجد حاجة لقوانين محددة لمكافحة المعلومات المضللة، حيث قد تستخدم الحكومات هذه القوانين لإسكات الصحفيين". كما أوصى جوان باراتا بتعزيز قدرات ومهارات الصحفيين مع التركيز على محو الأمية الإعلامية وتعزيز التعليم والأخلاق. وهي دعوة رددها محمد خمايسة، محرر في معهد الجزيرة للإعلام، الذي أكد على ضرورة وجود أخلاقيات صحفية قوية، معتبراً أنّ "الرغبة في متابعة المحتوى الرائج تؤثر سلبا على جودته".
وقد اعتُمد تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات واليونسكو من قبل أعضاء لجنة النطاق الواسع في خريف 2019 وتلقى مراجعة النظراء من خبراء أكاديميين بارزين في جميع أنحاء العالم. ويتضمن قائمة مراجعة وتوصيات جديدة من 23 خطوة. كما أنه يكتسب زخمًا في مجال تطوير السياسة، حيث تم الاستشهاد به تسع مرات في تقرير عام 2021 إلى البرلمان الأوروبي.
