مقال
اليونسكو تنظم مؤتمراً محورياً في إطار صون التراث الوثائقي في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية

نظّمت اليونسكو هذا المؤتمر تحت رعاية الهيئة الملكية لمحافظة العلا بصورة مُدمجة بمشاركة أكثر من 50 خبيراً دولياً من 36 منظمة، من بينهم ممثلين رفيعي المستوى وأكاديميين ومهنيين عاملين في مجال التراث الثقافي.
وتمثلت الغاية المرجوة من المؤتمر في إبراز القيمة العالمية للتراث الوثائقي العربي واستكشاف دور النهج المبتكرة في مجالات الحفظ والصون في تحقيق التنمية المستدامة. وعُقد المؤتمر على مدار يومَين كاملين انخرط خلالهما أكثر من 750 مشاركاً في مناقشات مثمرة تناولوا خلالها جملة من القضايا، من بينها: تطوّر اللغة العربية وخطوطها، وأطر التعاون الإقليمي في مجال التراث الوثائقي ومكافحة الاتجار غير المشروع، بالإضافة إلى سُبل توظيف الذكاء الاصطناعي ومعارف الشعوب الأصلية في جهود صون التراث الوثائقي.
واستعرض المشاركون التمثيل المحدود للتراث العربي في السجل الدولي لذاكرة العالم، إذ لا تتجاوز نسبة العناصر العربية المدرجة في السجل 3% من إجمالي العناصر العالمية، وناقشواالحاجة الماسّة لتغيير هذا الواقع وتسخير المبادرات التي استُهلّت مؤخراً، مثل "إعلان 2023 لدعم صون التراث الوثائقي في المنطقة العربية"، وهو ما يجسّد التزام المؤسسات المعنية بالذاكرة مجتمعةً والحكومات كافة بعكس هذا المسار.
وسلّط المؤتمر الضوء أيضاً على الحاجة إلى إعداد منصّة وأطلس رقميَّين على مستوى دول الخليج ضمن إطار برنامج "ذاكرة العالم". ومن المزمع أن تحظى هذه المبادرة بدعم حملات توعوية وورش عمل لبناء القدرات تهدف إلى تمكين المؤسسات الناشئة المعنية بالذاكرة في المنطقة وتعزيز جهود صون التراث الوثائقي وضمان تيسير الوصول إليه بصورة أوسع.
وساهم المؤتمر أيضاً في تعزيز التعاون الإقليمي في أعقاب تأسيس اللجنة المعنية بالمنطقة العربية ضمن برنامج ذاكرة العالم في كانون الثاني/يناير 2025 في خطوة فارقة نحو إرساء أسس أطر مؤسسية موحّدة لصون التراث الوثائقي وتعزيز الجهود الترويجية والتوعوية في شتى أرجاء العالم العربي.
أثمَرَ تعزيز التعاون في المملكة العربية السعودية مع برنامج ذاكرة العالم، من خلال الشراكة القائمة بين اليونسكو والهيئة الملكية لمحافظة العلا بغية صون التراث الوثائقي في العلا، عن سلسلة من حلقات العمل لبناء قدرات المؤسسات المعنية بالذاكرة والمهنيين العاملين في مجال التراث الثقافي، وتعزيز فهمهم للمبادئ الأساسية في مجالات تحديد التراث الوثائقي في المملكة العربية السعودية وصونه وضمان الوصول إليه.
وشهد عام 2024 جملةً من الأنشطة التي تضم تقديم دورات تدريبية تطبيقية للمهنيين العاملين في مضمار التراث في مجالات الحفظ والتأهب للكوارث والصون الرقمي، فضلاً عن جلسات تشاركية جمعت أطيافاً واسعة من التربويين المحليين والحُرّاس والرُواة والأطراف الفاعلة في المجال الثقافي للتفكر معاً بقيمة التراث الوثائقي وبالدور الذي تؤديه المجتمعات المحلية في الحفاظ عليه.
ودعمت الشراكة أيضاً إنشاء لجنة تقنية معنية بذاكرة العالم ضمن اللجنة الوطنية لليونسكو في المملكة العربية السعودية، وذلك في خطوة تكميلية للجهود الآنفة الذكر، وهو ما يمهّد الطريق نحو تأسيس لجنة وطنية مكتملة الصلاحيات لبرنامج "ذاكرة العالم" في المملكة.
برز دور المملكة العربية السعودية القيادي بطرحها جدول أعمال استشرافي من أجل تعزيز التراث الوثائقي في المنطقة والحفاظ عليه.
حمل هذا المؤتمر، بفضل الدور القيادي للمملكة العربية السعودية والإطار العالمي الذي توفره اليونسكو، زخماً واعداً لتعزيز حضور التراث الوثائقي العربي في المشهد الثقافي العالمي — بما يضمن حفظه والاحتفاء به وتيسير الوصول إليه للأجيال القادمة.
إنَّ صون تراثنا الوثائقي ليس مجرّد مسألة أكاديمية أو أرشيفية فحسب، بل هو ضرورة عالمية. فإنّ الغاية المرجوة من جهودنا المشتركة لا تقتصر على حماية الوثائق، بل تمتد لتشمل الذود عما تكتنزه من معان وضمان تناقلها واستقاء العبر من دروس الماضي.
وتخلّل المؤتمر أيضاً إطلاق منشور جديد لليونسكو بعنوان: "." تستكشف الدراسة التي أعدّت في إطار الشراكة القائمة بين اليونسكو والهيئة الملكية لمحافظة العلا، النقوش القديمة في العلا ودورها في تعزيز الحوار بين الثقافات وصون الهوية الثقافية وتعزيز فهم التاريخ. ويُبرز هذا المنشور، الذي استُعرض خلال المؤتمر، التراث الوثائقي الفريد في العلا، كما ويعزز صوت المجتمعات المحلية باعتبارهم الحماة الأساسيين لهذا الإرث.
بالإضافة إلى فعاليات المؤتمر، أقيم معرض خاص عن التراث الوثائقي في المملكة العربية السعودية، ما أتاح للمشاركين خوض تجربة غامرة لاستكشاف سجلات المنطقة التاريخية، بدءاً من النقوش الصخرية والمخطوطات، وصولاً إلى الخرائط والمواد الأرشيفية. وأبرز المعرض الدور المحوري للسرد البصري كوسيلة لفهم ذاكرة المملكة والمنطقة العربية.
للمزيد