قصة

"لبيروت" إلى نجدة المدارس الخاصة في لبنان

في أعقاب تفحيري مرفأ بيروت، أخذت اليونسكو على عاتقها مسؤولية إعادة تأهيل الجامعات والمدارس المتضررة في لبنان، بما في ذلك 20 مدرسة خاصة أعيد بناؤها بدعم من صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" (ECW). "ظننت أننا لن نلتقي أبدًا بعد الرابع من آب، وأنّ إعادة البناء ستستغرق وقتًا طويلاً"، تقول إحدى التلاميذ.

تعيش أيام منذ 11 سنة في مدرسة زهرة الإحسان، وهي تلميذة في الصف العاشر في هذه المؤسسة التاريخية التي شادتها الأخت ماري جهشان، راهبةُ شابّة، في عام 1880 في الأشرفية في قلب بيروت، لتعليم الفتيات في المنطقة. وتعتبر أيام هذه المدرسة بمثابة "منزل ثانٍ كل شيء فيه جميل". في 4 آب (أغسطس) 2020، كانت أيام تصلي في كنيسة المدرسة المزيّنة بنوافذ زجاجية قديمة معشّقة ملوّنة حين وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت، حطّم كلّ المقاعد والأبواب والنوافذ والزجاج. في لحظات، لم تعد المدرسة سوى أنقاض والأضرار فيها جسيمة. كيفما التفتت أيام، رأت عيونًا تذرف دمعًا سكوبًا وتصرخ نحيبًا. تقول أيام: "انتابنا الخوف، وشعرت أنّ الحياة فقدت معناها. تناثرت قطع كبيرة من الزجاج في الغرفة التي أعيش فيها وتحطّم كل شيء. يصعب عليّ أن أصف ما شعرت به، لكنني كنت حزينة للغاية. لقد خلّف الانفجار وجائحة كورونا جروحًا نفسية. وظننت أننا لن نلتقي أبدًا بعدالرابع من4 آب، وظننت أنّ إعادة البناء ستستغرق وقتًا طويلاً".

في باحة المدرسة، تستذكّر مديرة المدرسة، السيدة سهى شويري، هذا اليوم الأسود بألم والدموع في عينيها، "لا أعرف كيف تمكنت من الوصول إلى المدرسة. في طريقنا إلى هنا، لم نكن نعرف ما حدث أو أين وقع الانفجار. ولكن يا لهول ما رأيت... الناس... الجرحى... الدمار ... كان المشهد مرعبًا. عشت كل سنوات الحرب الأهلية في لبنان، لكنني لن أنسى ذلك اليوم أبدًا. لا أستطيع تجاوز الصدمة، و لا أن أنسى مشهد الراهبات الأربعة وهنّ يستقبلنني في وسط الدمار ". وتتابع سهى شويري قائلة: "أثّر الانفجار على المدرسة على عدة مستويات. فعلى المستوى المادي، تحطّم كل شيء، الأبواب والنوافذ والمكاتب وأجهزة الكمبيوتر، ولم يسْلَم أي شيء. أشكر الرّب لأنّ باحة المدرسة استوعبت معظم الانفجار ، ولم يعانِ أحد من أي إصابات خطيرة. لسوء الحظ، كان أحد الآباء وخريجة من مدرستنا من ضحايا الانفجار الذين تجاوز عددهم 200 ضحية. يعيش أيضاً الكثير من التلاميذ في محيط المدرسة، وبسبب الانفجار، ام تعد معداتهم المدرسية صالحة للاستعمال. ولم نتمكن من استئناف الصفوف على الفور. في خضمّ هذه المأساة، وقفت اليونسكو إلى جانبي منذ اليوم الأول، في مكتبي المهدّم. ولولا اليونسكو، لما استطعنا إعادة بناء مدرسة زهرة الإحسان ”.

ورشة ضخمة

في إطار مبادرتها لبيروت الرائدة، أطلقت اليونسكو ورشة ضخمة لإعادة تأهيل الجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والتقنية ودعم قطاع التعليم في لبنان في أعقاب تفجيري مرفأ بيروت. ومن أصل 132 مدرسة خاصة تضررت من الانفجار ، 20 مدرسة يتمّ اعادة تأهيلها بدعم من صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" (ECW*) وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان. أُطلِق هذا المشروع في أيلول (سبتمبر) 2020، ومن المفترض أن ينتهي بحلول آب (أغسطس) 2021. وتمت إعادة تأهيل 16 مدرسة حتى الآن ، ولا يزال العمل جاريًا في 4 مدارس. ويستفيد من هذه المبادرة ما لا يقل عن 7,000 تلميذ – منهم 50 في المائة من الفتيات والكثير من اللاجئين السوريين. تقوم اليونسكو أيضًا بمسح الاحتياجات الأخرى في هذه المدارس الخاصة، بما في ذلك استبدال المعدات المدرسية المتضررة.

"اليوم، تحتاج جميع المدارس الخاصة إلى المساعدة"، تشرح سهى شويري وهي تمشي في باحة المدرسة التي نفضت عنها غبار الانفجار، وحيث يرقد تمثال السيدة إيميلي سرسق، أكثر رئيسات جمعية زهرة الإحسان شهرة. وتكمل سهى شويري قائلة إنّ "في ظل الأزمة الاقتصادية، يصعب وضع خطط طويلة الأجل. فلا تنفك أسعار المعدات اللازمة تتغيّر يومًا بعد يوم. وقد أعادنا الانفجار إلى نقطة الصفر". وتؤكِّد بصوت مفعم بالأمل: "نحن مستمرّون، لم نرفض أبدًا استقبال طفل لا يستطيع تغطية تكاليف تعليمه، وسنواصل مهمتنا على الرغم من كلّ التحديات المادية. نحن نفتخر بمدرستنا التي تنتمي إلى شبكة المدارس المنتسبة لليونسكو  والتي تم تصنيفها كتراث ثقافي. دائمًا يعود ويقف الإنسان على رجليه، والإيمان يدفع بنا إلى الأمام لإعطاء أطفالنا فرصة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم."

بين الماضي والمستقبل

على بعد بضع مئات من الأمتار من مدرسة زهرة الإحسان، تقع مدرسة البشارة الأرثودكسية التي رمّمَتها أيضاً اليونسكو، و نتمي كلتا المدرستين إلى شبكة مطرانية الروم الأرثوذكس في بيروت. وتؤكّد بيا عبدو، مديرة جمعية القديس بورفيريوس، أنّ "بعد الانفجار، بُذِلَت جهود لدعم العائلات والمؤسسات المتضررة. وتعرضت العديد من المؤسسات، بما في ذلك مستشفانا ودور رعاية مسنين وعيادات وخمس مدارس، لأضرار تقدر قيمتها بـ 10 مليون دولار أمريكي". وتضيف بيا عبدو قائلة :"تجاوزت قيمة الأضرار في ثلاث من مدارسنا، التي تضمّ 2000 تلميذ وتلميذة، 2.5 مليون دولار أميركي. وتمت إعادة تأهيلها بشكل طارئ بدعم من اليونسكو. ومن دون هذا الدعم، لكان موظفونا الذين يبلغ عددهم 700 موظف من دون عمل اليوم. ووضعتنا اليونسكو أيضًا على تواصل مع مؤسسات دولية أخرى لإعادة تأهيل باقي المباني".

بالفعل، تنسق اليونسكو جهود إعادة التأهيل في جميع المدارس اللبنانية الخاصة المتضررة من الانفجار ، بغض النظر عن الجهة الراغبة في التدخل. وينبغي على الجهات الراغبة بالتدخل الاستناد إلى التقييم الفني الذي أجرته اليونسكو مع موئل الأمم المتحدة (UN-Habitat)الذي يشرف أيضًا على هذا العمل. وتضيف بيا عبدو وهي تقف على مقربة من عمّال يهمّون بإعادة طلاء جدار/ "أود أن أشكر اليونسكو على كل ما تقوم به من أجل قطاع التعليم في لبنان. لقد تعهدت المنظمة بالمساعدة على الفور وكان لها تأثير كبير. أقدّر التزام اليونسكو بالثقافة والتراث وبالحفاظ على الماضي، كما أقدّر عزمها على بناء المستقبل من خلال التلاميذ".

"لم يعد شيء يصلح للاستعمال"

في مدرسة علي بن أبي طالب التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، يبدو أنّ الحياة عادت إلى طبيعتها في هذا الصباح الحزيراني. الأروقة تعج بالتلاميذ، والغبطة تملأ قلوبهم بالعودة إلى الصفوف بعد غياب أمْلَتْه الجائحة والانفجار. كمامات التلاميذ لا تمنعهم من إحداث ضوضاء، وضوضاؤهم تثلج قلب السيدة رنا صبيدين، مديرة هذه المدرسة الخضراء التي تأسست في عام 1950 في الأشرفية، والتي تستقبل أكثر من 300 تلميذ وتلميذة في المرحلتين الابتدائية والثانوية. وتشرح رنا: "قبل أيام قليلة، لم نكن نتمكن من استقبال تلاميذنا ومعلمينا، ولا سيما خلال موسم الأمطار، للحفاظ على سلامةهم. تم تصنيف المدرسة من بين المباني التي تعرضت لأضرار جسيمة، فلم تسلم أي قاعة أو مختبر. لم أر في حياتي مثل هذا الدمار. لم يعد شيء يصلح للاستعمال. أمضى أفراد كشافة ومتطوعو المقاصد عدة أيام لتنظيف المكان”.

ترى السيدة رنا صبيدين أنّ الانفجار "أطفأ شعلة العزم في النفوس". "كنا نعيش أصلاً في أوضاع هشة وغير مستقرة في لبنان. أنا ممتنّة لليونسكو لوقوفها الى جانبنا لمواجهة الصعاب وإعادة تأهيل القاعات والنوافذ والجدران المهدّمة. حين أرى أنّ مدرستنا كانت مكانًا لا يمكن التعليم أو التعلم فيه، ومن ثم تم إصلاح كل شيء، لا أستطيع الّأ أن أقول: تحياتي لليونسكو! "

 

"لبيروت" مبادرة دولية أطلقتها المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي من بيروت في أعقاب تفجيري المرفأ، في 27 آب 2020، لدعم إعادة تأهيل المدارس والمباني التراثية التاريخية والمتاحف والمعارض والصناعة الإبداعية، والتي تعرّضت جميعها لأضرار جسيمة.

* في اطار "لبيروت" ، يدعم صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" أيضًا إعادة تأهيل 20 مدرسة حكومية، لما مجموعه 40 مؤسسة تضررت من تفجيري المرفأ.