لا يزال أمام الإعلام اللبناني طريق طويل لتغيير الصورة النمطية للمرأة في المحتوى الذي يقدّمه، وهذا ضروري بشكل متزايد لإحداث تغييرات مجتمعية، نظراً إلى المكانة البارزة التي تحتلها وسائل الإعلام في المشهد اللبناني. فيما يفتقر الصحفيون أحيانًا إلى الخبرة في تقديم محتوى يحترم المساواة بين الجنسين، هم غالبًا ما يتجاهلون عن غير قصد ضمان المساواة بين النساء والرجال في اختيار الكلمات أو المحتوى أو حتى الأشخاص الذين يختارون تسليط الضوء عليهم. في هذا السياق، نظّم مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية تدريبًا للصحفيين، ضمن برنامج بعنوان "دور المؤسسات الإعلامية في تعزيزن أوضاع النساء" ، الذي تنفذه الهيئة واليونسكو.
على مدة يومين، تابع الصحفيون جلسات حول جوانب مختلفة من المهنة، مثل استخدام المصطلحات المناسبة، وأخلاقيات المهنة في التغطية الإعلامية، وتأثير اللاوعي على عمل الصحفيين، أو حتى الإعداد المتوازن للتقارير. "الهدف من هذا التدريب هو تزويد الصحفيين بالمهارات المتعلّقة بتغطية مواضيع حسّاسة حول المرأة أو حول النوع الاجتماعي" ، يشرح ميلاد حدشيتي، مدرب في الاتصال والصحافة البناءة. كما نحاول تحسين التوازن في التمثيل الإعلامي بين الرجال والنساء". "توجد اليوم مشكلة في الشكل والأسلوب والمحتوى. لدينا مشكلة في التعليم والمجتمع وتنعكس بوضوح في وسائل الإعلام"، يأسف المدرب، الذي يؤكد أنّ قضايا النوع الاجتماعي يجب أن تكون أولوية. ويضيف: "التغيير يستغرق وقتًا. إنه تراكم. هذا هو سبب أهمية هذا النوع من الجلسات ويجب أن تستمر. كما يسمح لنا نحن المدربين بمعرفة التحديات والعقبات التي يواجهها الصحفيون بشكل يومي، خاصّةً وأن الموضوع يبدو جديداً للعديد من المشاركين".

حقائق تؤكّد عليها ميرا عبد الله، مديرة الاتصالات في الرابطة العالمية للصحف والخبيرة في قضايا الإعلام المتعلقة بالنوع الاجتماعي، والتي تشرح أهمية سماع آراء الصحفيين المعنيين. تقول: "التفاعل مذهل. من أسبوع لآخر نشهد تغييرًا فعلياًّ". تضيف: "اليوم، نحن على حافة المنطقة الحمراء. من الواضح أن هناك وعيًا أكبر، لكننا ما زلنا نحارب الصور النمطية. في بعض الأحيان، يمكن لمراسل واحد أن يفسد كل التقدم الذي أحرزناه إذا ارتكب خطأً كبيراً أمام عددٍ كبيرٍ من المتابعين. لذلك يبدأ التأثير على الأرض بالضرورة مع الصحفيين ويجب أن يستمر على عدة مستويات. ما نحتاجه حقًا هو قاعدة بيانات للخبراء والنشطاء المستعدين لمساعدة الصحفيين مجانًا عندما يحتاجون إليها. وأنا متفائلة، فوسائل الإعلام اللبنانية تتحدّث أكثر عن الموضوعات المتعلقة بالمرأة، ومجتمع المثليين، والجنس، والجيل الجديد واعد لأنه أكثر وعياً بالحقوق".
مقاربة شاملة
كما ركّزت الجلسات على التمييز في صورة الرجل والمرأة في الإعلانات، والمفاهيم التي يجب تحديثها في العمل الصحفي، والمصطلحات التي يجب تجنّبها حتى لا تستمر الصور النمطية والأحكام المسبقة. وجرت بحضور جورج عوض، مدير برنامج الاتصال والمعلومات في مكتب اليونسكو بيروت، وكلودين عون، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية. وهي جزء من خطة التنفيذ الوطنية لقرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية في عام 2019 والتزمت الدولة اللبنانية بتطبيقها.

ويقول الصحفي أحمد ربيع: "هذا التدريب مفيد لأنه يوضح بعض المصطلحات التي لم نكن نعلم بآثارها السلبية على وضع المرأة، وكيفية استخدام لغة شاملة. قد يخلق هذا الوعي بين مستمعينا أيضًا، لأن المشكلة موجودة. أدرك من خلال هذا التدريب أننا بحاجة إلى مدونة لقواعد السلوك لها معايير موحدة للعمل الصحفي ووضع المرأة". من جهتها ، تشيد الصحفية ميريلا بو خليل بالعملية التدريبية واختيار الخبراء. تقول: "المشكلة الأكبر هي النساء اللواتي لا يعرفن حقوقهن. نحن بحاجة إلى نقل هذه المعرفة إلى زملائنا، وإجراء حملات توعية تبدأ في المدارس والجامعات والمؤسسات. على المستوى الشخصي، عملت بنفسي لإحداث بعض التغيير في التلفزيون حيث أعمل، من خلال التركيز على الموضوعات المتعلقة بالمرأة اللبنانية. لكن الشيء الأكثر أهمية هو تدريب رؤساء الأقسام في وسائل الإعلام، لأنهم يمتلكون القوة ويمكنهم إحداث التغيير".
للتخفيف من حدّة هذه المشكلة وفي إطار المشروع ذاته، عقدت اليونسكو والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية طاولة نقاش مع رؤساء الأقسام في الإعلام اللبناني للبحث في الموضوع. كما تمت دعوة مدراء الموارد البشرية، من أجل اتباع مقاربةً أكثر شمولاً تجاه المشكلة ولتعزيز توظيف النساء في المؤسسات الإعلامية، لا سيما في المناصب الرئيسية التي غالباً ما يصعب عليهنّ الوصول اليها.