الأخبار
شابة موصلية تستقي الأمل من بين ثنايا الكتب

هند أحمد هي فتاة موصلية عراقية في الواحد والثلاثين من عمرها. نمت وترعرعت في مدينة نهشت أيدي المتطرفين العنيفين الغاشمة ملامح الحياة فيها، لكنها تبقى المكان الوحيد الذي تعانق منه هند الحرية. حرّةٌ هي عندما تتسلل بين سطور القصص والحكايات باحثةً عن ملاذ من ظلم الطغاة: "خلال هذا الفصل العصيب من حياتي، أمضيت أغلب وقتي في القراءة. وكلما قرأت أكثر، كلما تغيرت نظرتي إلى الأمور من حولي".
التحقت هند بكلية الهندسة الكهربائية، وهو مجال نادراً ما تختاره النساء، إلا أنها دخلته وتفوقت فيه. إذ عملت بجد للحصول على شهادتها، وعملت بجدّ أكبر لبدء مسيرتها المهنية في المجال الذي اختارته، لكن ليس هذا ما يرضي طموحها، فإنّ هند مدفوعة بمعتقداتها وشعورها بالمسؤولية تجاه مجتمعها.
في حين كان الخوف معششاً في قلوب سكان الموصل وقد استحوذت عليهم نيران العنف والكراهية، وجدت هند لها ملاذاً بين ثنايا الكتب التي تنادي بحرية الفكر، ولم تفهم يوماً كيف يمكن لقلة قليلة من الناس الذين يصرون على بثّ الكراهية والعنف أن تسيطر على مجتمع بأكمله؟ إلا أنّه سرعان ما تجلّت الإجابة بوضوح أمام أعينها، فبعدما أجبِر السكان على هجران المدارس، وتمزيق كتبهم، وسلبهم أهم ركائز ثقافتهم، لا شكّ في أنّ "الجهل فرض نفسه فأصبح من السهل السيطرة على عقول الناس وتنويمهم، لأنهم توقفوا عن التفكير".
وكلما كانت هند تقرأ أكثر، كلما كانت تتعاظم في داخلها الرغبة لتقديم المزيد لمجتمعها، وذلك من أجل إيصال أصوات الجماعات المهمشة والمستضعفة، وتحدّي تعاليم طفولتها. وقالت هند في هذا الصدد: "أدركت أننا نمر بمنعطف هام أحدث نقلة نوعية بين الحياة التي اعتدنا عليها من قبل والحياة المقبلين عليها في المستقبل"، مشيرة إلى الحاجة الماسة التي تنتابها من أجل تحمل المسؤولية المناطة بها وشحذ الهمم جنباً إلى جنب مع غيرها من سكان الموصل للتعافي من مخلفات هذا الاحتلال. وفي غمرة كل ذلك، كانت هند على وعي كامل بأنّ كل السبل المستقبلية تنبع من الكتب.
خطرت لهند، بمعيّة مجموعة من الشباب، فكرة للعمل على حشد الشباب لإحياء القراءة وإنعاش الحياة الثقافية في المدينة. وأكدت أنّ هذه المبادرة أسفرت عن "تدشين مهرجان القراءة".
أرادت هند من كل ذلك تكريس الكتب من أجل إذكاء الوعي لدى السكان، ولفتِ الأضواء إلى العالم التي تعيش فيه: "لا يمكننا العيش ضمن حدود رسمها الآخرون لنا. من حق كل واحد منا تقرير مصيره ورسم ملامح مستقبله بيده" وكان واضحاً من كلامها مدى الحرية الفكرية التي اكتسبتها بفضل الكتب والقراءة.
استهلّت اليونسكو في شباط/فبراير من عام 2018 ، وذلك كجزء من استجابة المنظمة الرامية إلى إحياء إحدى المدن العراقية الشهيرة. وتجدر الإشارة إلا مبادرة إحياء روح الموصل لا تقتصر على إعادة إعمار المواقع التراثية، بل تُعنى أيضاً بتمكين السكان كعناصر أساسية لإحداث التغيير والمشاركة في عملية إعادة بناء مدينتهم من خلال الثقافة والتعليم.